/ , / أستراليا: هل الطعام الحلال يمول الإرهاب؟

أستراليا: هل الطعام الحلال يمول الإرهاب؟


كثيرًا ما نواجه ظاهرة الإسلاموفوبيا في أستراليا بالحجج المنطقية والواقعية، لكنّه ليس الأسلوب الصحيح.
من المغري الرد على تصاعد المخاوف الأخلاقية حول “الإرهاب الإسلامي” مثل المتحدث في مناظرة مدرسية، المجهز بنقاط نقض وحجج مضادة، وكأنه يقول سوف أدحض كل الحقائق والإحصائيات التي تذكرها.
عندما تُطرح الحجج حول “أسلمة” أستراليا، كثيرًا ما يُستشهد بإحصاءات حجم السكان المسلمين من أجل فضح هستيريا المعلومات الخاطئة. وعندما ندحل في نقاش آخر عن قضية “الحجاب”، فربما نسمع من النساء المسلمات حول اختيارهن للحجاب. كما يتم الرد على مزاعم التطرف من خلال عرض برامج مكافحة التطرف وغير ذلك.
ليس لدي أي شك في أنّ هذ الأسلوب من “الخرافات الزائفة” يروق لكثير من الأشخاص الذين يبحثون بصدق عن الإجابات التي تساعدهم على وجود معنى لهذا الغموض إزاء مختلف “القضايا المثارة” عن المسلمين.
المثال الأخير من استراتيجية مكافحة الإسلاموفوبيا “بالحقائق والأرقام”، كان تقرير برنامج راديو أستراليا “التأكد من الحقيقة”، بعنوان: هل اعتماد الطعام الحلال يموّل الإرهاب؟
باعتراف الجميع، قدّمت الوقائع المعروضة نقضًا مدمرًا للمزاعم الزائفة الصادرة عن مختلف الجماعات الأسترالية المعادية للإسلام والتي تدعي أنّ صناعة الطعام الحلال تموّل الإرهاب.
المخاوف والاهتمامات
كثيرًا ما تُنشر حجج منطقية وعقلانية مضادة، إما لتحدي ظاهرة الإسلاموفوبيا، أو تهدئة مخاوف وهموم الناس.
ويتضمن في هذا النهج الاعتقاد الصادق بأنّ أحد سُبل مكافحة الإسلاموفوبيا هو طمأنة الناس. في الواقع، ليس كل المسلمين إرهابيين، وليس كل الإرهابيين مسلمين أيضًا. وهناك حقيقة، وهي أنّ صناعة الأغذية الحلال مربحة للغاية لأستراليا، وحقيقة أخرى وهي أنّ معظم المسلمين الأستراليين مواطنون محترمون، وملتزمون بالقانون.
فمن غير البديهي الرد على التضليل من خلال رفض تفسير الأمر. كما يجب ضبط النفس بدرجة كبيرة، وربما يقول البعض، إن درجة من إثارة التعصب الأيديولوجي، عند رفض التعامل مع حجة معينة حول شروطها ومخاطرها، وهذا يجري تفسيره كدليل على إدانة الذات.
المشكلة هي أنّه كلما استجبنا أكثر للعنصرية بشروط العنصرية نفسها، كان من الصعب تغيير مفهوم النظر إلى العالم من منظور الشخص الأبيض، وفضح الموروثات والافتراضات المتجذرة والتي تسمح بزيادة العنصرية. المغزى من كلامي هو: ما الهدف من الحجج المضادة و”الحقائق والأرقام”؟ وإذا لم يتم استخدامها في خدمة هدف أوسع لتحدي العنصرية المتأصلة في الطريقة التي يتم بها تأطير المناقشة، فأنا أرى أنها تزيد من المشاكل بدلًا من حلها.
في النقاش الدائر حاليًا حول “ما إذا كانت الأغذية الحلال تموّل الإرهاب“، كنت منزعجة إزاء الأصوات التي تدعم صناعة الأغذية الحلال أكثر من الأصوات المتطرفة التي تعارضها. مثل هذا النقاش لا يدعو للإحصاءات المالية والمناقشات حول العلاقات التجارية؛ لأنّ هذا ليس نقاشًا حول رسوم التصديق على صحة الأغذية أو حتى طقوس الذبح؛ لكنّه حول حقيقة أن تكون مسلمًا، يعني أن تواجه الاتهامات بالانحراف على الدوام.
مقولة “الأغذية الحلال تموّل الإرهاب“، تعتمد على افتراض أنّ الإسلام والإرهاب بينهما ارتباط وثيق. سردية الإرهاب والمسلمين كتهديد مدمر تم إلحاقها بشكل دائم بأي شيء وكل شيء مرتبط بالإسلام والمسلمين. ومثل لون البشرة، أو ملامح الوجه وشكل الجمجمة، فإنّ جوهر أن تكون مسلمًا، وأي شيء يرتبط به، تم تأصيله على أنّه محل شك بالوراثة.
منظور خاطئ
عندما تمسك امرأة أمريكية بيضاء حقيبتها أثناء عبورها الطريق مع شباب أمريكان من أصل إفريقي، فهل نقول إن إحصاءات النساء حول احتمال أعمال العنف تُرتكب ضدهن من قِبل أشخاص يعرفوهن؟ أو هل نناقش كيف تستمر التصورات العنصرية عن الذكورة السوداء في نفسية الأمريكان البيض؟
لا يمكنك مناهضة العنصرية عندما تشمل ردة فعلك نفس الميزة التي تعترض عليها. كل ما تقوم به هو تعزيز العلاقات العنصرية الهيكلية للسُلطة.
الانخراط في “مناقشات الحقائق والأرقام” يسقط السؤال الأهم والأساسي؛ وهذا السؤال ليس كيف يمكنني أن أجعلك تشعر بالراحة والأمان تجاه وجودي، ولكن ما الشيء المتعلق بك الذي يجعل من وجودي أمرًا مقلقًا لك؟
يختفي هذا السؤال الأخير وسط المحادثات البسيطة حول لماذا نرى “المسلم كآخر غريب”. إنّها قصة تتعلق بمن يتمتع حقًا بالانتماء الوطني والتمثيل السياسي في أستراليا؛ قصة عن العنصرية وكيف نتحدث عنها فقط كما لو كانت تقتصر على التشدق بها في وسائل النقل العامة، وليس لكونها جزءًا ممنهجًا وتأسيسيًا في هيكل الأمة.
هذا في الغالب لأننا لا نزال غارقين في أوهامنا حول هويتنا كأمة. نتصف بالسخاء وحسن النية، على الرغم من المشاركة في الانتهاكات المروعة والمرعبة لحقوق الإنسان من طالبي حق اللجوء. ونشعر بالسعادة من تعدد الثقافات ومرحلة “ما بعد العنصرية”، في حين نسعى للإغلاق القسري للمجتمعات النائية من السكان الأصليين و”خياراتهم في نمط الحياة الخاص بهم”.
كل هذا لأننا نرفض الاعتراف بأننا أمة ولدت عن طريق عملية قيصرية. نقطع صراحةً المركز الأصيل في أجسادنا ونمارس الضغط على أمة لا تزال تنكر الطبيعة الوحشية والعنصرية لمفهومها الأصيل ونشأتها.
والأسوأ من ذلك، أنّنا لم نقطع الحبل السري للعنصرية؛ إنّه ملفوف حول رقابنا، يخنق حياة السكان الأصليين في أستراليا ببطء أولًا وقبل كل شيء، ثم الأقليات غير الإنجليزية ومنهم المسلمون، الذين يُعدّون في الوقت الحاضر، عدو الشعب الأول في أستراليا.
وفي ظل الحكومة الحالية، لا يبدو أن هناك أي أمل في فك تشابك هذا الحبل؛ ولكن في الواقع، يجري ربطه بشكل أكثر إحكامًا.

الموضوع السابق :إنتقل إلى الموضوع السابق
الموضوع التالي :إنتقل إلى الموضوع القادم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق